قد تصل إلى مرحلة تقف فيها وقفة جادة أمام هاتفك الذكي، تصرخ فيه بصوت عالٍ وتطلب منه أن يستقيم أو يستقيل، تهدده بالاستبادل وتحذره بأن لا يتمادى وبأن يعود إلى سابق عهده وإلى أداءه المعهود، طبعاً لن تصل إلى تلك المرحلة إلا بعد أن يتعبك الجهاز فعلياً، وحينها تفكر بالتغيير جدياً، تدخل المواقع وتتصفح العروض وتستعد لشراء هاتف جديد والبدء معه بمرحلة قد تدوم لسنوات عديدة.
هنالك نوعية أخرى من الناس، من لا يقفون وقفة جادة مع هواتفهم الذكية، ولا يصرخون فيها ولا يحصل بينهم أي خلاف، فهي مستقرة وتؤدي المهام بما يرضي نفوسهم ويشبع حاجياتهم، لكنهم رغم ذلك سريعاً ما يتنكرون لها وقليلاً ما يوفون معها، تجدهم في كل عام يغيرون هواتفهم القديمة بأخرى حديثة، بل قد يكون السبب هو أن الشركات المنتجة تنجح في إقناعهم بالشراء بسهولة، فكيف يتم ذلك؟ وكيف ينجح أولئك؟
في كل شركة هنالك قسم مهم يدعى “التسويق” مهمته الأساسية هي كيف يقنعك بالشراء، وخلف هذا الهدف الصغير هنالك علم كبير، والعديد من الطرق التي تلجأ إليها الشركات لتصل إلى جيبك بسلاسة وأخذ جزء من نقودك مقابل حصولك على منتج قد لا تحتاج إليه.
دعونا في الأسطر التالية نسلط الضوء على المنتجات التقنية وعلى الطرق التي تستخدمها بعض الشركات في إقناعك بشراء منتجاتها، وسيكون تركيزنا الأكبر على المشاريع التقنية التي تنطلق من منصة كيك ستارتر، تلك المنصة المتخصصة في تمويل المشاريع الريادية بشكل جماعي ومجتمعي، والتي لم تعد محط نظر الرواد الصغار فحسب، بل أصبحت الشركات الكبرى تهتم بنشر منتجاتها الجديدة فيها.
النجاح في تمويل المشاريع في منصة كيك ستارتر يعتمد بشكل أساسي على القدرة على تسويق المنتج وإقناع الجمهور بتمويله أو حجز نسخه منه قبل ظهوره، يعتمد على الفيديو الذي يشرح الفكرة في دقيقتين أو ثلاثة وصفحة واحدة يتم تنسيقها بأفضل ما يمكن، وكم رأينا من مشاريع عادية نالت قدر كبير من التمويل بسبب طريقة التسويق وتفنن أصحابها في إقناع المستخدم بتمويلها، وفي المقابل مشاريع مميزة لم تجد إلا القليل من الداعمين، والسبب؛ التسويق.
الخصائص التي لا تحتاجها
المنتجات تتحسن بوتيرة متسارعة، لا يكاد يستقر منتج من المنتجات حتى يأتي آخر يزيد عليه بخاصية من الخصائص أو ميزة لم تكن متوفرة، الخصائص والمميزات لا تتوقف عن الظهور، وماقد يرضيك الآن قد لا يكفيك غداً، لكن المشكلة أن معظم تلك الخصائص أنت في حقيقة الأمر: لا تحتاجها.
القائمون على تسويق المنتجات يبذلون قصار جهدهم في إظهار الميزات الجديدة ومحاولة إقناعك بأنك بحاجة إليها: في نهاية العرض تخرج بخلاصة مفادها أن حياتك ستتغير بعد الحصول على ذلك المنتج، قد تتساءل في نفسك: كيف كنت تعيش بدون تلك الخصائص المهمة، وحين يصل هذا التساؤل إلى عقلك، حينها يعتبر المسوق أنه قد نجح في المهمة ووصل إلى جيبك من أوسع أبوابه.
الأمر ظاهر وجلي في ما يخص الهواتف الذكية، ماهو موجود الآن من هواتف حديثة يكفي وزيادة، وقد كان الهاتف الذي تم إصداره قبل 3 سنوات يكفي وزيادة، وبين اليوم والأمس هنالك الكثير من الإصدارات والموديلات التي تكفي وزيادة، الكثير من الخصائص المتوفرة في هاتفك الحالي لا تستخدمها ولا تحتاج إليها، ورغم ذلك فهي قد كلفتك عشرات أو مئات الدولارت، وستظهر خصائص أخرى لا تحتاجها في موديلات أحدث وستجد نفسك مندفعاً للحصول عليها.
أحد الأمثلة على هذا الكلام
المنتج الذي ظهر في كيك ستارتر شهر مايو الماضي بإسم “Time Since Launch“، عبارة عن ساعة رقمية لا تتوقف أبداً بمجرد سحب زناد الإنطلاق، تستخدمها لتذكر لحظات معينة أو أحداث مهمة (مثل ولادة إبنك أو يوم تخرجك)، هذه الخاصية الوحيدة التي يقدمها المنتج لا أحد يحتاجها ولم يكن أحد يفكر فيها، وحياة الإنسان لن تنقص بعدم وجودها، لكن مع ذلك فقد حصل المنتج على دعم قارب الـ 80 ألف دولار، وهذا كله بسبب: تسويق الخصائص التي لا يحتاجها أحد.
الفرص التي لا تعوض
واحدة من الأساليب الفعالة التي تُستعمل في منصة كيك ستارتر والتي تؤدي إلى إقبال المستخدمين لدعم وحجز المنتج، هي الأسعار المتفاوتة بناءً على أسبقية الحجز، والعدد المحدود لكل عرض، فإن لم تبادر الآن وتحجز نسختك من الجهاز، فقد لا تجد ذلك العرض المميز إن عدت غداً، لذلك تجد الكثير ممن لم يقتنع 100% أو ممن ليس بحاجة للمنتج بشكل فعلي، تجده يسارع للشراء خوفاً من ضياع الفرصة.
أحد أبرز الأمثلة لمثل هذا الأسلوب
مشروع الغواصة الموجهة التي تصور تحت الماء “Navatics MITO” وهو المشروع الذي انطلق نهاية شهر مايو الماضي ولازال يحصد التمويل بعد أن وصل إلى 90 ألف دولار، ورغم أن سعر الغواصة قد يكون مرتفعاً نسبياً (1200$) إلا أن هذا السعر لم يعد متاحاً، فقد كان متاح لأول 50 شخص فقط، والسعر المتاح الآن هو 1300 دولار، ولم يبقى فيه من متسع إلا لـ 9 أشخاص، فإن لم تبادر الآن وتحجز نسختك الخاصة من الجهاز، فلن تصل إليه إلا بـ 1400 دولار !!
وهكذا يستمر سعر المنتج في الصعود حتى يصل إلى 1800 دولار، طبعاً الهدف ليس البيع بذلك السعر المرتفع، لكنه التحفيز على حجز المنتج منذ أول انطلاق له، وبالتالي تمويله بنجاح في أول أيامه ولفت الأنظار إليه بسبب سرعة تمويله وإقبال الناس عليه، وكما تعلمون، الناس ينجذبون لما يتم التزاحم عليه حتى وإن كان عادياً.
في منصة كيك ستارتر وغيرها من المنصات المتخصصة ببيع وإطلاق المنتجات، يتم استخدام مصطلح “early bird”، والترجمة الحرفية لهذه العبارة هي “الطير المبكر”، أو طائر الصباح الذي يأتي قبل الجميع، وهو مصطلح أصبح شائعاً عند حجز وشراء المنتجات، فمن يحصل على سعر الـ “early bird” فهو في الغالب سيحصل على سعر أرخص، وفي منصة كيك ستارتر تجدهم يقسمون الأسعار من الأدنى للأعلى باستخدام هذه المسميات:
SUPER EARLY BIRD SPECIAL
SUPER EARLY BIRD
EARLY BIRD
KICKSTARTER SPECIAL
إبراز لشيء عادي
نحن نمتلك الكثير من المنتجات التقنية التي تحمل في طياتها الكثير من الخصائص الغير مستخدمه، أحياناً نستخدم الهاتف أو الجهاز سنوات طويلة ثم نتفاجأ بأن فيه خاصية أو ميزة لم نكن نعلم بوجودها رغم احتياجنا لها، وربما قمت بشراء جهاز آخر للقيام بتلك المهمة وأنت تمتلك جهازاً لديه نفس الخاصية، كل ذلك وارد في ظل تطور التكنلوجيا وتوسع مجالها الذي يصعب على الشخص استيعابه ومتابعة كل جديده.
من هذه النقطة
تتخذ بعض الشركات منفذاً للوصول إلى جيبك، فالشركة قد تطلق منتجاً جديداً ثم تتخذ أحد الميزات الرئيسية فيه طريقة لتسويقه، ورغم أنها قد تكون خاصية عادية متوفرة في المنتجات الأخرى، إلا أن الشركة تبرز هذه الخاصية بشكل أكبر، ثم تنشئ حولها هالة وضجة وتستخدم فنون التسويق حتى يعتقد المستهلك أنها قد أتت بما لم يأت به الأولون.
في الختام
سوق البيع والشراء في العالم التقني مختلف كثيراً عن الأسواق الأخرى، ففي سوق الملابس مثلاً، الأمور واضحة والخيارات محدودة، أما في سوق المنتجات التقنية فينغبي على المستهلك أن يتعلم الكثير حتى يتمكن من اتخاذ قرار شراء سليم، وأن يقتني المنتجات التي تثري حياته وتعينه على إنجاز أعماله، وإلا فيسغدو ضحية لشركات التقنية التي لن تستسلم إلا وقد أفرغت كل ما في الجيب من أموال.